ألف سنة على تأسيس مدينة قلعة بني حماد بالمسيلة
آثار الحماديين تنتظر نفض الغبار عنها
هل يكفي أن يبقى الأمر حبيس زوار يأتون أو لا يأتون دون أن يعرف البعد التاريخي والموروث الذي يظل محبوس الأنفاس ومخلوع اللباس الذي كان من الأجدر أن يتحلى به منذ زمان طويل؟
ولاشك أنه لو عاد ابن هاني الأندلسي ذات يوم إلى الحياة لذمنا أشد ذم، وهو الذي كان يرى مدينة القلعة الحمادية جنة الله في أرضه·
كانت هذه التراكمات تسيطر على مخيلتي كل مرة أزور فيها مكان القلعة لأستنشق من هواها عبق التاريخ ولوعة التمتع ولو قليلا في حضرة الأجداد، لكنني كل مرة كنت لا أدرك الجواب عن السؤال الذي ظل يحيّرني منذ نعومة أظفاري عن أسباب إهمال القلعة، وعدم تعرضها طيلة العهود الماضية منذ الاستقلال إلى يوم الناس هذا·
وهو بسيط بساطة حياة أهل القلعة يتمثل في كون هذه الأخيرة لم تكن يوما رومانية أو ما إلى غير ذلك، وإنما تعد أول دولة محلية وطنية ذات طابع ''سني''· وهو أمر أيضا كثيرا ما يتعرض لطاقية الإخفاء والإقصاء من كتابات المؤرخين الذين يسعدهم أن يمروا على مآثر التاريخ الإسلامي القديم مرور الكرام وبشكل يدعو مؤرخينا لوقفة يمكن من خلالها وضع جبهة صد ومحاولة استكشاف ما خفي من أوراق ظلت غامضة في جنبات التاريخ كحال القلعة ومواقع أخرى كثيرة·
ولعل الملتقى الدولي الأول لمدينة قلعة بني حماد المنعقد مؤخرا بإشراف من قسم التاريخ بجامعة المسيلة دليل على وضع القطار على السكة من جديد ومحاولة بعث هذا التراث·
ودون شك سوف يجيب أيضا على العديد من الأسئلة التي ظلت عالقة إلى الآن وشوهت حتى فكر الأجيال الجديدة من أبناء المنطقة التي مازالت جاهلة بكل ما في الكلمة من معنى لوجود منارة قلعة في مكان ما ولا حتى الوصول إلى مغزى الاحتفال بألفية التأسيس وحتى المناسبة التي قيل فيها شعر ابن هاني الأندلسي، وهل كانت فعلا تمثل الجنة التي اختزلت فيها أنفاس الدنيا كلها·
عشرة قرون من الوجود
إلى عشرة قرون خلت وتحديدا مع الاحتفال بذكرى مرور ألفية من تأسيس قلعة بني حماد التي كادت تمر هكذا مرور الكرام والذنب الأوحد المرتكب لحد الآن هو وجودها مع كثير من الحضارات ذات الطابع الإسلامي التي لم تؤت حقها من قبل الباحثين، وحتى البعض من الرسميين في عدد من المراحل التي مرت على بناء الدولة الجزائرية منذ استقلالها أين اقتصر الاهتمام على ما خلفه الرومان من حضارات مرت من هنا·
وقد وضعت الدولة في سنوات السبعينيات خططا اعتبرها الكثير أنها تدخل في إطار سياسة ذر الرماد في العيون فقط، بعدما تبين أن الملتقى السنوي الذي كان ينظم لا يعد مجرد إغراق في السطحية ومحاولة طمس صفحة من التاريخ الحضاري الإسلامي في منطقة المغرب بعدما اقتصر هذا الأخير أيضا على نوع من الاحتفالية التهريجية ليس إلا· وسرعان ما اندثر بحجة الوضع الأمني الذي ضرب المنطقة·
ومن هنا تبدأ الإشكالية، حسب الأستاذ توفيق بلقبي، من قسم التاريخ بجامعة المسيلة· ذلك أن الباحثين بهذا القسم يشتغلون عليها مباشرة بعد انتهاء الملتقى الأول الذي عقدته الجامعة تحت عنوان ''الدولة المركزية في قلعة بني حماد'' من منظور ما حملته هذه الأخيرة من إشعاع فكري وثقافي·
هذا الملتقى، يضيف محدثنا، شكل قبل عام من هذا التاريخ حلقة هامة في مسار أبحاث التاريخ الوسيط بالجامعة، خاصة أنه تزامن حينها مع ذكرى توقيع الاتفاق التاريخي الذي تم بين باديس بن المنصور بن بلكين بن مناد الصنهاجي وعمه حماد بن بلكين سنة 395 هجرية / 1004 ميلادية·
واعتبر أن الأعمال في الملتقى الأول كانت ورشة علمية جدية لبحث طابع القلعة الحمادية كثاني دولة مركزية تتأسس بالمغرب الأوسط، والتي أفرزتها عوامل مذهبية وسياسية وقتها، عجلت بشكل أو بآخر بإنهاء الحكم الشيعي بالمغرب الأوسط وتأصيل المذهب المالكي، وما تبع كل ذلك من إسهامات في العلم والعمارة والثقافة·
ولعله الأمر، يضيف محدثنا، الذي أذكى الرغبة في ضرورة توسيع حلقة البحث والنقاش لتتعلق بالدرجة الأولى بالدولة المدينة وما يواكب ذلك من ضرورة اهتمام بالنواحي العمرانية والهندسية وكذا التجارية والدبلوماسية·
ومن هنا كان لابد حسب هذا الأخير تكريس إلزامية دعوة الباحثين من دول عربية وأجنبية لهدف تثمين الجهود القديمة· وهو الأمر الذي تكلل بترسيم الملتقى الدولي الأول حول مدينة قلعة بني حماد بمناسبة مرور ألفية على التأسيس بدأ من 1007 وإلى غاية .2007